تعيش ايطاليا اوقاتا استثنائية هذه الايام بعد تطبيق على وجه السرعة قرار اوروبي، كان من المفروض ان يدخل حيز التنقيذ مع مطلع يناير من السنة القادمة، يسمى “خطة انقاذ الابناك”، والذي يفرض بموجبه التحفظ على اموال المودعين والمساهمين في الابناك في حال حدوث أزمة مصرفية. هذا القرارخلف ردود فعل قوية داخل المجتمع الايطالي، فخرج المئات من المتضررين من هذه الخطة الى الشارع ليعبروا عن رفضهم لهذا الاجراء الذي صفر مدخراتهم التي كانت نتاج سنوات من العمل الشاق، معظمهم من المتقاعدين والعمال وصغار الحرفيين وربات البيوت. بسبب جشع المدراء التنفيذيين الذين استغلوا ثقة المستثمرين وباعوا لهم دون علمهم سندات وأسهم ثانوية لاتنعم بالحماية والضمانات الكافية في حالة ازمة مالية ومصرفية.
وشمل هذا القرار مودعين ومستثمرين لاربعة أبناك ايطالية دخلت في مرحلة افلاس كلي وهي: بنك ماركي، البنك الشعبي بإتروريا ولاتسيو، و كاري كييتي، وكاري فرارا.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة كورييري دلا سيرا، ان القيمة النظرية عند النضج للسندات الثانوية الصادرة لبنك ماركي لوحده تقدر ب 400 مليون اورو(بينما كانت قيمتها سنة2012 تعادل 467 مليون). اما قيمة السندات الثانوية لبنك إتروريا هي 300 مليون، و20 مليون لكاري فرارا، في حين ان بنك كاري كييتي لم يصدر سندات.
بهذا سيفقد المستثمرين بموجب “خطة الانقاذ” هذه كل ما يملكون، رغم انهم ليسوا برأسماليين كبار.
فحسب اخر بيانات بنك ايطاليا، تفيد بان بنك إتروريا يضم 70 ألف مستثمر بقيمة اجمالية تقدرب 648 مليون اورو سنة 2013 ، اي بمعدل أقل بقليل من 10 ألاف أورو للمستثمر الواحد. و 44 الف مساهم في بنك ماركي بقيمة رأسمالية تقدر بمليار أورو ، و23 الف مساهم في بنك كاري فرارا بقيمة اجمالية تقدر ب 400 مليون اورو.
فالوضعية المالية للبنوك الايطالية في الوقت الراهن تدعوا للقلق، بيد أن ابناك اخرى مهددة بالافلاس، حيث يوجد ما يقرب من 16 مليار يورو في أسهم البنوك، المتوسطة والصغيرة، الغير المدرجة بشكل قانوني في الأسواق المالية وبالتالي فهي صعبة التبادل، و من المرجح أن تفقد جزءا كبيرا من قيمتها في الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى أنها مهددة ب “bail in” اي خطة الانقاذ.
فحسب بيانات معهد “الأنسا” الذي أحصى حوالي 20 مؤسسة بنكية إيطالية، قدر قيمة السندات الثانوية التي أصدرتها البنكية بحوالي 60 مليارأورو: في حالة كل من كاري كييتي ، بنك اتروريا، وبنك ماركيو كاري فرارا، فقد بلغت قيمة تلك الاوراق المالية مستوى الصفر، كخطوة استعجالية لاستيعاب الخسائر وللسماح بحل الابناك الاربعة فيما بعد.
يعتبرهذا القرار كارثي ومجحف في حق حاملي هذه السندات، الذين أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها،
و من تجلياته ازمة ثقة في المؤسسات البنكية وفي تدخل الحكومة لصالح المستثمرين ، لتأخد القضية منعطفا مأساويا خصوصا بعد إقدام متقاعد في الستين من العمر، على الانتحار شنقا في شقته يوم 28 نوفمبر، بعد ان وصل الى علمه تبخر كل أمواله التي حولت لانقاد بنك اتروريا. هذه الحادثة خلقت صدمة في الشارع الايطالي الذي رفض تحمل عبئ إفلاس الابناك التي غابت فيها الشفافية والمسؤولية معتبرا هذا القرار بمثابة انتهاك وخرق لحقوق المواطن، وطالب الحكومة التدخل السريع لتدارك الامر و تحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من كانت له يد في الموضوع.
جدير بالذكر، ان قرار الانقاذ الذي اعتمدته الحكومة شمل بنك اتروريا، في ملك عائلة ماريا إلينا بوسكي، وزيرة الاصلاحات الدستورية والعلاقات مع البرلمان في حكومة رينزي، هذا ما اعتبرته المعارضة الايطالية بقيادة حركة خمسة نجوم تضارب المصالح، واستغلال الوزيرة بوسكي للمنصب الوزاري في حكومة رنزي لتمرير قوانين تخدم أجندتها الخاصة .
وطالبت الحركة الحكومة سحب الثقة من الوزيرة بوسكي بسبب التدخل من اجل انقاذ بنك اتروريا، الذي يتولى فيه الأب منصب الرئيس وابنه منصب مدير عام.
بعد الجدل الذي أحدثته القضية وتداعياتها، تحاول الحكومة تدارك الازمة، لتجنب الاضطرابات السياسية الناجمة عن التوجيه المصرفي الأوروبي الجديد.
و في هذا الصدد، أعلن بيير كارلو بادوان وزير الاقتصاد، أن الحكومة ستقيم صندوق التضامن لتعويض المودعين الذين فقدوا مدخراتهم وفق مرسوم الادخار بتمويل قدره 100 مليون يورو من صندوق بين الابناك لحماية الودائع.
فيما حاول رينزي ، طمأنة الرأي العام للحد من انتشار حالة اللايقين التي قد تؤدي الى طلب سحب الودائع من قبل المودعين بسبب التخوف من حدوث أزمة سيولة، من خلال اصراره، أولا، على قوة وصلابة القطاع المصرفي الايطالي، وثانيا توعده بمحاسبة وملاحقة المسؤولين عن انهيار الابناك.