بعد الهدوء الذي عاد إلى المملكة المغربية في الأيام القليلة الماضية، يمكننا أن نحلل هذه الظاهرة بكل موضوعية. في الواقع، إن الاحتجاجات السلمية هي طريق سليمة للتعبير عن المطالب المشروعة في كل الدساتير والقوانين المدنية.
وقد كان المغرب دائماً يراعي هذه المسألة ويحاول التعامل معها بكثير من ضبط النفس، وخير مثال على ذلك السماح لمسيرات مليونية لمساندة إخواننا في غزة، ولم يصدر من السلطات المغربية أي تصرف من شأنه أن يهدد هذا المكتسب الحقوقي الذي حققه المغرب بعد عناء طويل.
لا شك أن تنظيم كأس العالم وكأس أفريقيا من شأنه أن يرفع المغرب إلى مصاف الأمم الكبيرة، وذلك إذا تم استغلال هذه التظاهرة الرياضية أحسن استغلال. لكن في المقابل، تطلب الدولة ضمنياً من مواطنيها القليل أو الكثير من الصبر، لأن إنجاز مثل هذه المشاريع العملاقة يستنزف موارد الدولة.
وهذا بالفعل ما لاحظه شباب "جيل Z"، كما لاحظه المحللون السياسيون والشعب المغربي قاطبة. وبالتالي، هذا واقع أفرزته عوامل ذاتية وموضوعية. العوامل الذاتية هي أن الدولة تعاني من نقص في الكثير من الخدمات الصحية والتعليم والشغل، بالإضافة إلى السياسات المتعاقبة وأولويات الحكومات المختلفة التي أثرت على الواقع الحالي.
لا شك أن الانتخابات النزيهة هي التعبير المنطقي للديمقراطية. إن وصول السيد عزيز أخنوش، وقبله السيد عبد الإله بنكيران، إلى رئاسة الحكومة هو إفراز نسبي لإرادة الشعب. وبالتالي، فإن الشعب المغربي يتحمل جزءاً من المسؤولية في انتخاب هذه الحكومة. ولأنها لم تحقق التطلعات المرجوة، فإن الانتخابات هي الفيصل بين المغاربة.
وهذا لا يعني أن الاحتجاجات غير ضرورية، بل بالعكس، فإن ما حصل يكرس عدم الثقة، لا في الحكومة ولا في البرلمان الذي هو لسان المعارضة. لذلك، فإن الانتخابات هي الحل المؤقت لهذه المشاكل التي هي بالمناسبة نتيجة تراكم سياسات خاطئة، لكن مع ضرورة احترام الدستور المغربي.
عطفاً على ما قيل سابقاً، فإن انتظار خطاب ملكي أو تدخل ملكي هو أمر في غاية الحساسية. لأن خطاباً ملكياً في هذه المناسبة سيعتبر آخر مسمار في نعش حكومة عزيز أخنوش، وسيؤكد عدم الثقة المطلقة في هذه الحكومة، مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة لا أحد مهيأ لها، وذلك بسبب الانشغالات بأوراش البناء التي تعكف عليها الدولة حالياً، وأقربها كأس أفريقيا. لذلك، فإن حديث الملك مع الحكومة يكون أكثر جدوى من إقالتها.
قد يكون استعداد الحكومة للحوار هو خيار منطقي وضروري، لأنه قد يشكل خارطة طريق لقبول الأفكار من جيل جديد. لكن اعترافها بـ"تفهم" مطالب المحتجين هو الخطأ.
لأن دور الحكومة هو بدء أوراش العمل الخاصة بالمتطلبات الحيوية للشعب المغربي، وهذا هو السبب الذي من أجله صوت جزء من المغاربة عليها. ولكن حينما تعترف ضمنياً بأنها ستعكف على "دراسة" هذه المطالب، فهذا دليل على أنها تتخبط جراء الصدمة التي تعرضت لها.
بقلم/ يوسف بوجوال كاتب صحافي مختص في شؤون الهجرة